الصفحة الأساسية > Rubriques > Languages - International > Arabiya > إمّا أن نتغير

Source: Al Faraby - Aloufok (www.aloufok.net )

إمّا أن نتغير نحن أو يتغيروا هم

جميل السلحوت

الخميس 24 آب (أغسطس) 2006

عندما يتمعن المواطن العربي في المواقف العربية الرسمية على مختلف الصعد يشعر باحباط شديد ، حتى أنه ليس من باب المبالغة لو أن أحداً يملك سطوة خارقة يريد بها تدمير العالم العربي لما وجد أحداً “أفضل” من غالبية الأنظمة العربية للقيام بهذه المهمة ، هذه الأنظمة التي بنت وسائل اعلام موجهة لشعوبها فقط ، ونصبت عليها “نخبة” من “المثقفين” وأشباه المثقفين الذين باعوا أنفسهم ، وباعوا ثقافتهم ، وباعوا شعوبهم لهذه الأنظمة بثمن بخس ، فما عدنا نسمع الاّ عن أخبار الزعيم الملهم الباني مع أننا لا نرى الاّ الهدم والخراب والدمار
ولعلّ الحرب السادسة مع اسرائيل والتي كان وقودها لبنان الوطن والشعب والحضارة ، هذه الحرب التي جربت فيها اسرائيل آخر ما أنتجته تكنولوجيا التدمير الأمريكية والاسرائيلية ، والتي نفذت فيها سياستها القائمة على حلّ المشاكل بالقوة ، واذا لم تنفع القوة فإنه يمكن حلها بمزيد من القوة
هذه الحرب التي اعتمد فيها سلاح الجوّ الاسرائيلي على القنابل الأمريكية الذكية ، لتدمير البنية التحتية لشعب ووطن كان يُعتبر جنّة الشرق الأوسط الحضارية والديمقراطية
وكعادتها قابلت غالبية الأنظمة العربية مزيد القوة التدميرية الاسرائيلية بمزيد من الانبطاح والتخاذل على رأي الشاعر الجاهلي القائل
لكن قومي وان كانوا ذوي عدد ليسوا من الشّرفي شيء وان هانا
وليت غالبية الأنظمة العربية توقفت عن حدود السياسة التقليدية الأمريكية المرسومة لها ،بل تعدتها الى “حداثة” سياسة الرئيس بوش الابن القاتلة “بأن من ليس معنا فهو ضدنا” . واخلاصاً لهذه السياسة فقد تقدمت السياسة الرسمية العربية خطوة أخرى الى الوراء تمثلت في الوقوف وعلى رؤوس الأشهاد مع سياسة العدوان والحرب المفتوحة على لبنان ، حتى أن وزراء الخارجية العرب الذين اجتمعوا في القاهرة بعد بداية الحرب لم يتفقوا على اصدار بيان يدعو الى وقف الحرب ، تماماً كما هو الموقف الرسمي الأمريكي الذي أعلنته وزيرة الخارجية الأمريكية في زيارتها للمنطقة “أن لا سبب لوقف اطلاق النار” " وأنه حان الوقت لبناء الشرق الأوسط الجديد"
وامعاناً بالتخاذل العربي الرسمي ، وبعد تملل الشعوب العربية وغضبها العارم على ذبح لبنان فإن وزراء الخارجية العرب قرروا الاجتماع في بيروت بإذن اسرائيلي أمريكي ، هذا الاذن الذي جاء بعد الاحتجاجات الأوروبية والأمريكية اللاتينية خصوصاً فنزويلا ، لأن سياسة تدمير المنشآت المدنية في لبنان تتعدى كل اخلاقيات الحروب ، - ان كان للحروب أخلاقيات -
لكنه وفي كل الأحوال لم يتمحض الموقف الرسمي العربي على عقد قمة عربية لوقف تدمير لبنان العربي . لبنان الدولة العضو في الجامعة العربية،ويبدو ان اسرائيل وامريكا لم تسمحا بذلك

واذا كانت شعوب فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان مجال تجريب مدى فاعلية الأسلحة الأمريكية الحديثة ، فإن العقل العربي الرسمي تمخض عن اعادة تدمير ما دمرته هذه الأسلحة - وهذا أمرٌ جيد - لتواصل مصانع الموت انتاج أسلحة جديدة ليعودوا الى تجريبها مرة أخرى
التقسيمات الطائفية
ومعروف أن محاولة بناء “الشرخ الأوسخ الجديد” تستهدف المنطقة العربية تحديداً ، من خلال اعادة تقسيم المنطقة الى دويلات قائمة على أسس طائفية متناحرة ستُدخل المنطقة في حروب طويلة الأمد ، ويبدو واضحاً أن تقسيمات سايكس بيكو بعد الحرب العالمية الأولى التي قسمت العالم العربي الى دويلات اقليمية لم يعد لها جدوى في هذه المرحلة فتفتقت العقلية الأمريكية عن التقسيمات الطائفية ، ووجدت لها أعواناً في المنطقة ، وما يجري في العراق من اقتتال بين السنة والشيعة الا خير دليل على ذلك ، ويبدوا ان الاحتراب الطائفي في لبنان بين المسيحيين والمسلميين قد استنفذ اهدافه في الحرب الأهلية التي دمرت لبنان في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ، هذه الحرب التي وجدت أطرافاً عربية ودولية لتغذيتها ، وتشير الدلائل الى تغذية حروب طائفية جديدة في لبنان يكون طرفاها السنة والدروز من جانب والشيعة من جانب آخر ، وهذا يُعيد التساؤلات عن الذين يقفون وراء اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري ، ومن المستفيد من هذا الاغتيال ؟ وتوقيت هذا الاغتيال ، وما الأهداف التي ستنتج عن هذا الاغتيال ؟؟ وكذلك التغييرات الكبيرة والمذهلة في مواقف الحزب التقدمي الاشتراكي الذي أسسه المناضل الوطني البارز كمال جنبلاط ، والذي يرأسه الآن ابنه وليد جنبلاط بعد اغتيال والده ،وتغير التحالفات السياسية في لبنان بعد اغتيال رفيق الحريري ، هذه التحالفات التي ولدت تحالف تيار المستقبل الذي يرأسه سعد رفيق الحريري ، مع تيار القوات اللبنانية التي يتزعمها الدكتور سمير جعجع ، والتيار الدرزي الذي يتزعمه وليد جنبلاط
واذا كانت سوريا وايران تدعمان حزب الله علانية ، وحزب الله يعتبرهما حليفين استراتيجيين ، فإن تحالف الثلاثي الحريري ، جنبلاط ، وجعجع مدعوم امريكياً بشكل علني أيضاً ، ومدعوم اسرائيلياً من خلف الستار ، كما أنه مدعوم بموقف عربي رسمي استجابةً للضغوطات الأمريكية الاسرائيلية التي لم تعد تقبل بموقف حيادي لأي دولة عربية “فإما أنت معهم أو ضدهم”

الأهداف
ولاخراج مشروع “الشرق الأوسخ الجديد” الى حيز التنفيذ ، فإن ذلك يتطلب القضاء على القوى المعارضة في المنطقة ، سواء كانت حكومات أو تنظيمات ، فجاء اغتيال رفيق الحريري ليكون ذريعة لزيادة عزلة سوريا ، وزيادة الضغوطات عليها ، وكذلك الضغوطات على ايران خصوصاً في مشروعها النووي
وقد اتخذت الضغوطات حالة استثنائية على الساحة الفلسطينية من خلال الحرب المفتوحة على الشعب الفلسطيني والتي لم تتوقف عند محاصرة الرئيس ياسر عرفات حتى وفاته مسموما، بل ازدادت عنفاً واتساعاً بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي أوصلت حركة حماس الى تشكيل الحكومة الفلسطينية ، على غير ما كانت تتمناه اسرائيل وأمريكا التي صرح مسؤولوها أكثرمنمرة أنهم لن يتعاملوا الا مع حكومة فلسطينية منتخبة ، وعندما وصلت حماس الى الحكومة اعتبروها حكومة “ارهابية” فحاصروا الشعب الفلسطيني بأكمله ، واعتقلوا العشرات من أعضاء الحكومة والمجلس التشريعي المنتخب، اما الاحتلال العسكري القائم على القوة العسكرية والي استهدف ولا يزال البشر والشجر والحجر فانه “ليس ارهابا ،بل هو لنشر الحضارة الغربية في الشرق المتخلف،
ثم جاءت الحرب المفتوحة على لبنان لتدمير حزب الله وتجريده من أسلحته
لكن نتائج الحرب السادسة ورغم التدمير الهائل الذي لحق بلبنان نتيجة لذلك قد يُعيد التكتيك المرحلي لتنفيذ الاستراتيجية القادمة ، وقد بدأت المراجعة فعلاً ، فإيهود أولمرت رئيس وزراء اسرائيل أعلن عن وضع خطته للانسحاب من مناطق في الضفة الغربية على الرفوف ، لأن الوقت لم يعد مناسباً لها ، وبالتالي فإنه سيعيد النظر بتعهداته التي أعلنها بخصوص رسم حدود لدولة اسرائيل ، لكنه لن يوقف حربه على الشعب الفلسطيني تماماً مثلما أن قرار 1701 بخصوص وقف الحرب على لبنان لم يوقف الجيش الاسرائيلي عن مواصلة هذه الحرب وعملية الانزال في البقاع يوم السبت 19\8 خير دليل على ذلك
لا يتعلمون
الدارس للتاريخ سيجد أن المستعمرين والمحتلين لا يتعلمون من التاريخ ، وأتباعهم من الأنظمة الصنيعة ليسوا أحسن حالاً منهم ، فغالبية القادة” الملهمين " في العالم العربي لم يتعلموا من تاريخهم الأسود الذي قاد شعوبهم وأوطانهم الى هزائم كبيرة ، ولم يتعلموا من كذب الوعود التي كانت تُعطى لهم من اسيادهم ، وبالتالي فهم لم يغيروا سياستهم ، بل ازدادوا في ضلالهم ، تماماً مثلما أن المستعمرين والمحتلين الذين غرقوا في أكثر من مستنقع صنعوه بأيديهم لم يتعلموا أن القوة العسكرية لن تحقق لهم أهدافهم، ولن تجلب الأمن لشعوبهم ودولهم ، ولن تحافظ على مصالحهم أيضاً وسيبقى الصراع دائراً ما لم تتغير غالبية الأنظمة العربية أو يُغير المستعمرون والمحتلون سياساتهم